مقال بعنوان: تل رفعت سلم بلا درجات (ومضة : يا أيها الراقـد كـم ترقـد.. قم يا حبيبا قد دنا الموعدُ..) الكاتبة : لمى محمد
ليست بالقرب من واشنطن ، ولا تتصل حدودها بشيكاغو ، ولا تصل أسلاكها بالمكسيك ، ولا تتربع كإمارة في دبي، ولا يصلها أي شارع ببيروت ، ولا تتصل تلتها بالربع الخالي ولا بإسطنبول .
شاءت الأقدار كما يعلم الجمع أن تكون تل رفعت تلك المدينة التي تقع في ريف حلب الشمالي ، أن تتحرر من ظلم وطغيان نظام الأسد، ثم شاءت الأقدار أيضا أن تدور حروب طاحنة في حلب وأريافها ، ثم شاءت من بعد تلك الحروب ذات اللظى الملتهبة و من وراءها كل قذارات الأرض وحثالة الأكوان، أن تباع تلك المدينة الثائرة إلى عصابات ال بي كي كي و ي ب ج ،بأبخس الأثمان وبصفقة وقع عليها ولدان، فأهلكت أهلها وجعلتهم بلا أوطان .
وما أجمل أن يعلم الإنسان أنه أمام سلم و يتأهب لصعود درجاته، وأجمل بأن يبني الإنسان لنفسه وأهله بناءا يرتفع لطابقين وثلاثة وأكثر ، لكن بئسما يكون ذلك إن كانت تلك الطوابق هي أحلام كرتونية اصطنعها مرتزقة، كانت يوم ولادتهم كحفلة لقيط لا يعلم أي بطن قد حمله، ولا يعلم ألى أي صدر سيميل ليكمل مسيرته.
تل رفعت ضربت لأهلها و لمن تسموا ثوارا باسهما ربما آلاف الوعود للعودة إلى مدينتهم التي ترزخ تحت وطأة عصابات البي كي كي وأعوانهم ، وبات سلم المدينة تمحى درجاته بين اتفاقات روسية وأمريكا وتركيا وإيران ، وحق لك أن تقول أن هذه المدينة هي التي تفصل الدول عن بعضها في مناطق نفوذها في حلب وتريد كسب المدينة لطرفها؛ روسيا التي سيطرت على حلب ونشرت شرطتها العسكرية فيها، والتي سحبت شرطتها أيضا من عفرين إلى تل رفعت، وتريد أن تبعد شبح أمريكا و توسع النفوذ التركي جنوبا. إيران التي تتمركز قواتها إلى الجنوب من المدينة حيث نبل والزهراء الشيعيتين تريد كسب المدينة بقوات إيرانية لدفع تركيا التي تدعم منظمات وكتائب تتبنى أفكار متشددة بحسب نظر إيران مما يهدد أمنها في سورية.
عصابات الوحدات الكردية كانت هذه المدينة العربية المغتصبة محط أنظارهم بعد سقوط عفرين لصالح تركيا ومن استعملتهم في حربها، فأرادوا جعلها بوابة لفتح عفرين مرة أخرى إن سمحت لهم فرصة، ونكاية بكل مواطن عربي وكل مسلح عربي شارك في حرب عفرين "غصن الزيتون".
أمريكا التي تستخدم الأكراد لمصالحها وتبيعهم متى شاءت وكيفما، أرادت المحافظة على تل رفعت تحت العلم الأصفر الكردي لتوقف تمدد روسيا المتنامي مؤخرا في سورية .
أما تركيا فإنها وضعت المدينة في سلم اتفاقيتها التي باتت لا تحصى ولا تعد في سورية، وتركيا لا تطمع في تل رفعت على أنها مدينة صاحبة الثروة والأشجار كما عفرين ، بل إنها تريد أن تدفع ما أمكنها الأكراد بعيدا عن حدودها ، ثم تريد أن تقدم هذه المدينة لأولئك الذين شاركوا في عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون كهدية، بعدما اشترط بعض منهم على تركيا دخول تل رفعت مقابل مشاركتهم في غصن الزيتون .
الاتفافات جميعها باءت بالفشل ، منها التي صفقها لواء المعتصم مرات عديدة مع أمريكا لدخول المدينة ، ومنها التي أبرمها آخرون مع روسيا وباءت بالفشل ، ومنها التي أبرمتها تركيا مع روسيا وأمريكا وأيضا باءت بالفشل ، ومنها ما حاول البعض أن يقايضها بمال أو التخلي عن بعض المكاسب لصالح الأكراد وقوبلت بالرفض جميعها .
إن جميع تلك الأحداث جعلت من أهالي المدينة يرون أن سلمهم باتت درجاته تكاد لا ترى ولا تحصى ولا تعد، وأن مسيرة خيمة للأبد باتت تحلق بالأفق ، يزيدهم ألما عن إخوانهم النازحين من باقي محافظات سورية ، أنهم بالكاد يرون مدينتهم من بعيد ولا يستطيعون ولوجها ، فتزداد كآبتهم .
لن نبحث اليوم عن المسؤول الحقيقي عن تسليم هذه المدينة التي باتت اليوم تحمل علم شبيحة النظام وروسيا والأكراد وحزب اللات، ولن نقول كيف صمدت مدينة مارع التي تقع إلى الشرق منها، أو مدينة أعزاز التي تقع إلى الشمال منها ! بل إننا سنقول إذا كان تسلط اللصوص ثمنه بيع المدينة، فأين الشرفاء و أين ثوار الحق والحقيقة ؟! إن كنت من أبناء الشمال فاعلم أن الجواب أنك تعيش في مقبرة، وقد أسمعت لو ناديت حيا ... ولكن لا حياة من تنادي .
تقرير : لمى محمد
تعليقات
إرسال تعليق